- منهجيةالتعامل
مع السؤال المفتوح
1- نوعان من
الأسئلة:
من خلال استقراء المتن الذي تجمع لحد الآن من أسئلة
الامتحان
الوطني للباكالوريا في الدورات الماضية، يمكن التمييز بين
نوعين من
الأسئلة تبعا لمدى وضوح مطالبها و درجة ارتباطها الصريح
والمباشر بإشكالية من إشكاليات الدرس.
1/ السؤال المباشر أو المعرفي:
الذي يستفهم حول قضية محددة سبق أن طرحت أثناء
البناء الإشكالي للدرس، وكأنه يختبر قدرات الاستيعاب
ومهارة عرض المعارف في المقام الأول. مثال: هل الشخص حر في بناء شخصيته؟ هل
يتأسس الحق على القوة؟ من أين تستمد نظرية ما صلاحيتها؟ ...
وفي مثل هذه الحالات، تتأتى معالجة السؤال جوهريا عن طريق
استعراض مختلف الإجابات أو المقاربات أو المواقف الفلسفية التي تصدت لهذا الإشكال ومحاولة الخروج بخلاصة تنتصر لأحد المقاربات أو توفق بينها جميعا.
2/ السؤال الإشكالي:
الذي لا يحيل بشكل مباشر على الإشكاليات التي سبق
تناولها في
الدرس. بل إذا كان إشكال النوع الأول أي السؤال المعرفي
إشكالا واضحا معطى في ثنايا الاستفهام ذاته، فإنك مطالب هنا
بصياغة الإشكال وبنائه و إدراج السؤال ضمن إشكالية فلسفية
ليتسنى إضفاء الطابع الفلسفي على المعالجة. أي مساءلة السؤال
قبل المضي قدما في الجواب عليه، وانتقاء المعلومات وترتيبها وصياغتها على
نحو يجعلها تجيب على السؤال، لأنها في شكلها الخام لا تجيب عليه أبدا !!
مثال:
لماذا يعتبر العقل في العادة معارضا للأهواء؟ هل
يمكن أن نتكلم كما نريد؟ من يتحدث عندما أقول "أنا"؟
هل يمنع الاعتقاد الشخصي من بلوغ الحقيقة؟ هل تسمح معرفة
الغير بإقامة علاقة صداقة وتواصل معه...
ومن تأمل هذه الأسئلة الأخيرة يتضح لك أن الصعوبة
الأولى تتمثل
في تحديد ورسم إطار إشكالي للسؤال، وبتعبير مدرسي، لابد
أن نتساءل ضمن أي مفهوم / درس أو ضمن أي إشكالية ينبغي
إدراج السؤال ومن تم معالجته؟ وما هي المبررات التي
تصوغ لنا تأويل مرامي السؤال على هذا النحو وليس على نحو آخر؟ وليس هناك
للأسف وصفة أو منهجية جاهزة تعينك على تخطي هذه الصعوبة، فالأمر يتوقف
على ذكائك وقريحتك الفلسفية وزادك المعرفي وبراعتك المنهجية ورشاقة أسلوبك
لإقناع القارئ/ المصحح بقيمة المقاربة والمعالجة التي قمت بها للسؤال. وفي
مثل هذه الحالات ، يصعب بكل بساطة الحديث عن منهجية أو وصفة جاهزة لمعالجة مثل هذه الأسئلة. فكل سؤال يملي أو يوحي - بعديا لا قبليا -
بمسلك
خاص في التعامل معه.
2- المتطلبات
المنهجية المشتركة بين نوعي السؤال:
كيفما
كانت نوعية السؤال فلابد من:
-- مقدمة تتضمن
تمهيدا مناسبا يعقبه طرح للإشكال وتفريعه إلى أسئلته الأساسية إذا
أمكن، ويمكن للتمهيد ان ينطلق من قراءة مختصرة لمفهوم أو أكثر وارد في
السؤال بحثا عن تناقض أو مفارقة أو علاقة ملتبسة تمنح المشروعية
لطرحنا الإشكالي وأسئلتنا.
- عرض تقف
فيه على مفاهيم السؤال والعلاقات المحتملة بينها، وتستعرض مختلف الأجوبة
التي يقدمها تاريخ الفلسفة على السؤال مع الحرص على التدرج والتسلسل
ومنطقية الانتقال و إلا أصبح العرض مجرد نزهة – مملة أحيانا – في
غابة وأدغال المواقف و الاستشهادات الفلسفية ! ولا تكتف باستدعاء
المعرفة الفلسفية التي تلقيتها بل لابد من إغنائها أيضا بمواد من
تفكيرك وملاحظاتك الشخصية و توضح ما غمض من الأفكار بضرب الأمثلة الوجيزة المشفوعة بالتنبيه إلى المغزى كلما أمكن، بل وقد تنفتح على
الحس المشترك واعتقادات العامة أيضا إذا دعت الضرورة، لأن المقاربة الفلسفية
لا تكتسب كامل قيمتها إلا بالمسافة التي ترسمها بينها وبين بداهات الحس المشترك.
باختصار، يمكنك أن تتصور العرض على النحو التالي، خصوصا
إذا كان السؤال يبتدئ بـــ "هل":
1 / نعم، وذلك لأن
....
2/ لكن، ألا يمكن...، / ماذا
عن...،/ ماذا لو قاربنا الإشكال هذه المرة من زاوية ...
3/ إذن، يتبين .... نخلص ....
ويسمى هذا التصميم جدليا لأنه يحاكي
مراحل الجدل عند هيغل ( الأطروحة، النقيض، التركيب)
-- خاتمة تلخص
فيها نتائج عملية بل مغامرة التفكير التي انخرطت فيها منذ طرح الإشكال في
المقدمة وحتى آخر فكرة في العرض
3- تطبيقات:
نموذج سؤال الامتحان التجريبي: ابريل2007
"هل يستطيع الإنسان أن يكون كائنا عاقلا؟"
نموذج مقدمة تنطلق من مفارقة:
في الوقت الذي دأب فيه الكثير من الفلاسفة على وصف
الإنسان بالكائن العاقل، بحيث تبدو صفة العقل داخلة في
حدود قدرته واستطاعته مادامت صفته الجوهرية التي تعرفه ولا
تنفك عنه، فإن السؤال المطروح علينا هنا يقدم نفسه كما لو
كان مشككا في هذه الحقيقة بالذات، ويدعونا – من ثم – إلى البحث فيما إذا كان
بمقدور الإنسان أن يكون كائنا عاقلا أي أن يتصرف ويفكر وفق
مقتضيات العقل، ولكن ما هي هذه المقتضيات تحديدا ؟ ما المقصود
بالكائن العاقل؟ و لماذا لا يستطيع الإنسان أن يحقق ماهيته المفترضة هذه؟
هل يتوقف ذلك على الرغبة أم الإرادة أم الاستطاعة؟ ثم ألا ينبغي أن
نتجاوز عمومية وتجريدية مفهوم الإنسان لنبحث في استطاعة الناس، أي الأفراد المتعينين هنا والآن، في مكان وزمان محددين ؟
عناصر لإنجاز العرض:
أ- اللحظة الأولى: من باب الوقوف على المفاهيم،
يمكنك أن تشرح ما معنى الاستطاعة. فالسؤال يقول:
"هل يستطيع" ولم يقل:"هل يجب" أو "هل يمكن". إذن مالفرق؟... و لا يخدعنك أنها تبدو كلمة واضحة بسيطة.
إذن تتناول مفهوم الاستطاعة وتربطه بإمكانيات الكائن وقدراته ومؤهلاته
وتميزها
عن مفهوم الرغبة كميل وجداني وكذا الإرادة كنزوع واع نحو
هدف ما.. . ثم بانتقال مناسب، تعرج على مفهوم الإنسان
في علاقته بمفهوم العقل، وتنفتح على موقف أول يطابق بينهما
أي بين الإنسان وماهيته العاقلة...إلخ و لا تنس أن تستنتج في
نهاية هذه المرحلة أن الكينونة العاقلة تدخل ضمن استطاعة الإنسان. أي أن
باستطاعة الإنسان أن يكون كائنا عاقلا لأنه لا يفعل سوى الاستجابة
لطبيعته. وتذكر أنه لا قيمة لكل المعلومات المسرودة ما لم تبرهن أنك بصدد الجواب على السؤال لا استعراض المعلومات أو الملخص.
ب- اللحظة الثانية:
يمكن أن تنتقد هذا التصور بأسلوب من أساليب النقد والتشكيك والتجاوز لتنتقل إلى الموقف الثاني... لتبحث فيما يعوق تحقيق الكينونة العاقلة كتدخل المكونات الأخرى / اللاعقل، الرغبة، الهوى... أو غياب الإرادة.... و لا تنس هنا أيضا أن تستنتج مثلا أنه
ليس باستطاعة الإنسان أن يحقق كينونته العاقلة مادامت تتجاذبه قوى كثيرة متعارضة مع النزوع العقلاني...
ج- اللحظة الثالثة:
و يمكنك في لحظة التركيب أن تتجاوز الجواب على السؤال فتسائل السؤال بدوره : هل من المستحب أن
يكون الإنسان كائنا عاقلا على الدوام؟ وإلا ففي أية
حالة؟ ...لو حرص الإنسان على ان يكون كائنا عاقلا ، ولو اقترن هذا
الحرص بالإفراط، ألا يؤدي هذا الإفراط إلى النقيض أي إلى اللاعقلانية؟...
كما هو الشأن في الرأسمالية حيث يسود العقل الحسابي ومنطق المردودية ...
الخاتمة:
تخلص إلى موقف أو نتيجة تنسجم مع ما سبق وتعكس
قناعاتك الشخصية، نعم قناعاتك الشخصية ! لأن السؤال يخاطبك
كشخص وليس فقط كمجرد تلميذ يمتحن ! و لابد أن تشير الخلاصة صراحة إلى
السؤال المطروح، كأن نقول: يتبين أن الإنسان لا يستطيع أن يكون
كائنا عاقلا لمجرد أنه يختص بالعقل دون بقية الحيوان، نظرا
إلى حضور اللاعقل بجانب العقل، أو يستطيع الإنسان أن تحقيق كينونته
العاقلة بشرط أن يتخلى العقل عن امبرياليته ويمارس وظيفته النقدية للحيلولة دون وقوع الإنسان في التبعية والوصاية...