ولئن حلل ميرلوبونتي شروط إمكان إدراك فعل أو فكرة إنسانية على نمط الوجود الغُفل أو النكرة أو المجهول كي يصوغ الإشكالية، فإن مؤلفينا "حرقوا" الطريق
وشرعوا في ترجمة النص بقلب مواضعه وخلط لحظاته:
النقل الأصل
كيف يمكن إدراك فعل إنساني ما، أو
فكرة بعينها توجد على نمط وجود "الهو المجهول" on (الناس)، مادام الإدراك فعلا شخصيا
خاصا لا ينفصل عن الأنا الفردي؟ من السهولة أن نجيب عن هذا
السؤال بالقول: إن ضمير المجهول (الناس) "هو"، لا يعني سوى صيغة عامة للإشارة إلى تعدد "الأنوات" أو على الأصح، إلى
"أنا" جمعي بوجه عام (...) Comment une action ou une pensée humaine peut-elle
être saisie dans le mode du « on », puisque, par principe, elle est une
opération en première personne, inséparable d’un Je. Il est facile de répondre
que le pronom indéfini n’est ici qu’une formule vague pour désigner une
multiplicité de Je ou encore un Je en général.
يتساءل ميرلوبونتي عن الكيفية
التي يكون بها إدراك فعل أو فكرة على نمط ما هو غُفل ونكرة ممكنا، علما أن
الفعل أو الفكر لا يُنجز بدءا من قِبل الغفل والنكرة، وإنما من قبل ذات
شخصية تشير إلى نفسها ب"أنا". الأفق الذي يرتسم هو العجز عن فصل أفعال الغير وأفكاره عن ذاتيته التي تخصه والتي لا تقبل الاختزال،
أو تجريدها وتذويبها ضمن كلية غفل؛ وذلك مصدر المفارقة. ولأجل ذلك، يدشن ميرلوبونتي حوارا يفترض فيه اعتراضات ويرد عليها، إلى أن تأدى إلى الإشكالية.
أما مفتشونا، فقد وضعوا، كما يُلاحظ، سؤالا آخر: إذ
تساءلوا
عن إمكان إدراك فعل ما، ثم عن إمكان إدراك فكرة أضافوا
إليها خاصية
العينية المعدومة في الأصل، وخصُّوها وحدها بخاصية الوجود
على نمط وجود
"الهو المجهول" الذي يشير إلى الناس، علما أن
الإدراك فعل شخصي خاص.
الأفق المرتسم هنا هو العجز عن فصل فعل الإدراك عن الأنا
المدرِك؛ فلا مفارقة أصلا.
لقد منحوا "الفكرة"
خاصية جديدة لم يمنحها إياها صاحب النص، فكانت إضافة بلا طائل، بل مجرد
هذر؛ ونقلوا on ب"الهو المجهول" رغم أن "هو" تشير إلى ضمير الغائب المذكر لا إلى المجهول؛ بل وسموه مباشرة "ضمير
المجهول"؛ فكان تحريفا محضا. ثم حذفوا ضمير الغائب الذي
أراده صاحب النص أن يحل محل الفعل أو الفكرة، وظنوا أنه راجع
إلى الإدراك؛ فضيعوا المعنى تماما.
-أما الحوار الذي يدشنه ميرلوبونتي عبر افتراض اعتراضين
فيمكن وضعه على الشكل التالي:
أقول: كيف نُدرِك الخاص والشخصي المعروف والمحدَّد عبر
العام والمجهول؟
قد يُقال: اللاتحديد إشارة فضفاضة إلى
"أنا" عام: الشاهد أنني أتصور –بمقتضى المماثلة مع
تجربتي الثقافية والمعالم التي تدل عليها- نوع الإنسان المنتج لمعالم ثقافية تنتمي إلى حضارة أخرى.
فأرد: كيف تكون لي، أصلا، تجربة عن عالمي الثقافي الخاص
وحضارتي الخاصة؟
وإن قيل: إني أرى الاستعمال
السائد من حولي، فأقوم بتأويل التصرفات بمقتضى المماثلة مع
تصرفي وتجربتي الحميمة التي تدلني على مقاصد ما أدرك من أفعال.
رددت: الإشكال قائم هنا بالضبط.
ثم يعدد الأسئلة التي تبرز حقيقة المفارقة وتحفظ بناءه
للإشكالية.
أما النَّقَلة، فقد قفزوا على
الإشارة إلى الاعتراض، واستأنفوا النص كما لو كان استمرارا
لنفس حركة المعنى الذي شرع ميرلوبونتي في بنائه بالحديث عن إمكان إدراك
الموضوعات الثقافية عموما كما أشرنا سلفا، إلى درجة أنهم جعلوا الاعتراض ادعاء والادعاء اعتراضا.
النقل الأصل
(...)
إني أرى الآخرين من حولي يستخدمون
الأدوات بكيفية معينة، فأُماثل بين سلوكاتهم وسلوكاتي،
وأقارن بين تجاربهم وتجربتي التي تعلمني معنى الأفعال التي أدركها والقصد
منها (...) سيُقال إن أفعال الآخرين ستفهم دائما من طرف أفعالي بحيث
يفهم ال"هو المجهول" أو "النحن" من طرف الأنا الفردي؛ لكن المشكلة تكمن هنا بالضبط، ويمكن صياغتها في الأسئلة التالية: كيف يمكن للكلمة "أنا" المفرَدة أن تصير جمعا؟ كيف يتسنى تكوين فكرة
عامة عن الأنا المفرَدة؟ كيف يمكنني أن أتحدث عن أنا
آخر غير أنا؟ وكيف يمكنني معرفة أنوات أخرى؟ ما الذي يجعل
الوعي، الذي يعتبر مبدئيا معرفة بالذات ووعيا بها في عالم الأنا،
يُدرَك على نمط وجود "الأنت"، ومن ثمة أن يُدرَك في عالم ال"هو"؟
J’ai, dira-t-on, l’expérience d’un certain milieu culturel et des
conduites qui y correspondent ; devant les vestiges d’une civilisation
disparue, je conçois par analogie l’espèce d’homme qui y vécu. Mais il faudrait
d’abord savoir comment je puis avoir l’expérience de mon propre monde culturel,
de ma civilisation. On répondra derechef que je vois les autres hommes autour
de moi faire des ustensiles qui m’entourent un certain usage, que j’interprète
leur conduite par l’analogie de la mienne et par mon expérience intime qui
m’enseigne le sens et l’intention des gestes perçus. En fin de compte, les
actions des autres seraient toujours comprises par les miennes ; le « on » ou
le « nous » par le Je. Mais la question est justement là : comment le mot Je
peut-il se mettre au pluriel, comment peut-on former une idée générale du Je,
commet puis-je parler d’un autre Je que le mien, comment puis-je savoir qu’il y
a d’autres Je, comment la conscience qui, par principe, et comme connaissance
(401) d’elle-même, est dans le mode du Je, peut-elle être saisie dans le mode
du Toi et par là dans le mode du « On » ?
لاحظ كيف أسقط النقلة وأضافوا وحرَّفوا وقلبوا كيف شاؤوا!
بل لا تحُدُّ هذه الملاحظات أوجه الفساد والخلل في نقل هذا النص.
فكيف نبني الإشكال، بل إشكالات كل الدرس، انطلاقا من نص
بهذا الحجم من الاختلالات؟
3. في نص لفريدريك هيغل، ك.م.ص 194، وضعه المؤلفون ليكون
موضوع تحليل
ومناقشة، في إطار التمارين التي وُضعت على سبيل ارتياض
التلاميذ على مهارات إنجاز الإنشاء الفلسفي، يتحدث صاحب النص
عن نمط وجود الأشخاص في ظل دولة الحق والواجب، بحيث إن
الدولة الحرة فعلا هي تلك التي يحتل فيها كل فرد من أفرادها
المرتبة التي تخصه بناء على اختياره الحر وليس انطلاقا من نمط قبلي وجاهز لتوزيع المراتب بين الناس على غرار نمط التجمعات القبلية أو
الدينية
المغلقة مثلا.
هكذا، في الوقت الذي يفرض فيه صاحب النص وجود الاختلاف بين توزيع المهام في الدولة الحرة وبين ذلك التوزيع في المجتمعات
القبَلية
أو المجموعات المغلقة، يفرض مؤلفو الكتاب تطابق التوزيعين:
النقل الأصل
إذ من اللازم أن يشبه توزيع المهام التي
يختارها الأفراد، ذلك التوزيع الموجود على صعيد نظام
الطبقات الاجتماعية.
la répartition des taches auxquelles l’individu voudra bien se dévouer, ne doit
pas être faite à la manière des castes.
نفس الاعتراض الذي قد يُقال في نص مونيي يمكن أن يُقال
في حق هذا النص: سهو عن إثبات أداة النفي"لا"، بحيث إن الأصل كان على النحو الآتي:
"إذ من اللازم أن لا يشبه توزيع المهام التي يختارها
الأفراد، ذلك التوزيع الموجود على صعيد نظام الطبقات الاجتماعية."
ونفس الرد أيضا، وزيادة: ذلك أن
أخطاء "بسيطة" من هذا القبيل تؤثر دون شك في بناء معنى النص
مفهوميا وحجاجيا: فليس من يتمثل تحديد وضع الفرد في الدولة الحديثة ودوره
باعتبار المطابقة بين الدولة والقبيلة مثلا، كمن يتمثل ذلك انطلاقا من
القطيعة بينهما.
ينبغي أن لا ننسى أن الأمر يتعلق بنص يُنتَظَر منه كتابة إنشاء فلسفي قد يكون موضع تقويم جزائي إما عبر فروض المراقبة المستمرة أو خلال الامتحان الوطني. هل سيُثاب التلميذ على
فهمه "الصائب" للنص أم سيُعاقَب؟ ألن يكون من الأفضل هنا أن لا يستوعب
النص، إذ
الفهم الخاطئ أهون من الفهم السيء؟
إن ضرورة استحضار هذا الأمر، على بساطته التي قد تبدو
"ساذجة"، هي ما كان يفتقده بالتأكيد المؤلفون.
4. في نص لليبنتز (ك.م.ص 216)، ساقه المؤلفون-وتمت
المصادقة عليه- لفتح المجال الإشكالي أيضا ليعين على بناء
الإشكالية التي يطرحها التفكير في الحرية، يقيم ليينتز
تمييزا في معنى الحرية، في سياق بناء تصوره التراتبي، بناء على
ثنائية الحق/الواقع، أي ثنائية ما هو شرعي تنظمه القواعد والقوانين التي
هي شريعة بين الناس أيا كان مصدرها، وما هو واقع غير تابع بالضرورة
لقانون ما بل يعود إلى ما هو موجود في "طبائع الأمور".
النقل الأصل
لفظ الحرية لفظ جد ملتبس، فهو
يعني، من جهة، الحق في الحرية، كما يعني، من جهة ثانية/ الحرية
الفعلية أو الممارسة. وتبعا لمفهوم الحق في الحرية، فإن العبد (في
المجتمعات العبودية) ليس له الحق في الحرية، بينما يتمتع الفقير بالحرية مثله مثل الغني. [Le terme de liberté est fort ambigu. Il y a liberté de droit,
et liberté de fait. Suivant celle de droit un esclave n’est point libre, un
sujet n’est pas entièrement libre, mais un pauvre est aussi libre qu’un riche.
فقد نقل المؤلفون الشق الأول من الثنائية
بعبارة "الحق في الحرية"، وهي عبارة تنفتح على مجال المطالبة الحقوقية بناء على ما يعتقد المرء أنه أهل له، ك"الحق في
الشغل" مثلا أو
"الحق في التعليم الجيد" الذي يكون المطالب به
محروما منه ظلما وعدوانا سواء بالاستناد على وضعيته القانونية أم
لا؛ وهو مجال لا تتيحه الدلالة اللغوية للعبارة أصلا.
فالمقصود هنا الحرية القانونية كما هي محددة من قبل شريعة ما؛
الشاهد لذلك سوق ليبنتز لحالتين تدلان على وضعَين قانونيين داخل المجتمع يُحرَم فيهما الإنسان من الحرية، أو بالأحرى من درجة من
الحرية،
هما "وضع العبيد" و"وضع الرعايا":
فالعبد لا حرية له إطلاقا كما هو معلوم، إذ هو ملك
لسيده ملكية تامة وفقا للشريعة المرعية، أما الرعية فتتمتع بوضع التابع أيضا، إلا أن تبعيتها ليست تبعية مقيَّدة بقوانين واضحة، ولا هي تبعية تُقيِّده مباشرة على غرار وضع العبد.
أما الشق الثاني من الثنائية الذي
يشير إلى الحرية الواقعة فعلا دون تعلق بشرع ما، فقد نقله المؤلفون
بعبارة الحرية الفعلية أو الممارسة، وكأن الخضوع في الحالة السابقة ليس
فعليا ولا ممارَسا. ونعتقد أن الأمر يتعلق بالإشارة إلى واقع الأمور فقط.
الدليل على ذلك أن الفقير يتمتع في الحالة الثانية بنفس الحرية التي يتمتع بها الغني، في حين أن العبيد أو الرعايا لا يتمتعان قط بنفس حرية الأحرار.
ثم لاحِظ العبارة التي وضعها الممتازون وضعا وجعلوها بين قوسين: (في المجتمعات العبودية). ما قصدهم منها؟ هاهي فرصة جديدة
للمتخصصين
في "التأويليات" كي يطبقوا مناهجهم.
-وفي نقلهم لشرح ليبنتز للعبارة الثانية، لا ندري من أين
أتى المؤلفون بعبارة "قدرة الإرادة" حينما نقلوا:
النقل الأصل
أما بالنسبة للحرية، باعتبارها
فعلا وممارسة، فتقوم على قدرة الإرادة في فعل ما تريده، أو
تقوم على قدرة الإرادة على فعل ما يجب القيام به. La liberté de fait consiste ou dans la puissance
de faire ce qu’on veut, ou dans la puissance de vouloir comme il faut.
فمنذ متى كانت (faire) دالة، مباشرة ودون اي تأويل، على
الإرادة، اللهم أن يكون الأمر أحد "المعاني الأصيلة" التي تفتقت
في أذهان المترجمين نقر بالعجز عن الرقي إلى سموها؟ فكان
واجبا أن يرأفوا بجهلنا، وينبهوننا إلى ذلك.
- ثم إن ليبنتز يقيم تمييزا
آخر هذه المرة هو التمييز بين العموم والخصوص: فالدلالة العامة للحرية
تشير إلى أن من يملك أكثر الوسائل يكون أكثر حرية في فعل ما يريد، ممثلا
لذلك بالتحكم في البدن باعتباره درجة من الحرية الواقعة بحكم طبيعة الأمور
وبدون أي تعلق بمبدأ أو قاعدة قانونية: فإذا كان البدن سليما معافا، أمكنه،
بحكم واقع حاله السليم ذاك، أن يتحرك تبعا لمشيئته التي تكون هنا مقيدة
بإمكاناته المتوفرة لديه، والتي يحرمه المرض منها؛ وإذا كان الشخص طليقا
أمكنه، بحكم واقع حاله الطليق ذاك، أن يتحرك كيف وحيث شاء تبعا لمشيئته التي تكون مقيدة بإمكاناته المتوفرة، والتي يفقدها السجن إياه.
ماذا فعل المفتشون الممتازون؟
حذفوا التمييز تماما، رغم أن
التمييز مشدَّد عليه في الأصل، ومعلوم أن التشديد على المكتوب
إشارة إلى أهمية المشدَّد عليه، ثم طابقوا بين الأمرين بل وجعلوا الثاني
نتيجة للأول في الوقت الذي كان استدراكا عليه على سبيل التقييد من
العام إلى الخاص.
النقل الأصل
فالإنسان الذي يتوفر على الكثير من
الإمكانات والوسائل، سيكون أكثر حرية عندما يريد القيام بما يريده (...)
وهنا ستعني الحرية القدرة على استخدام الأشياء التي تعودنا على التصرف فيها بمحض إرادتنا، خاصة القدرة على التصرف في جسدنا. Généralement celui qui a
plus de moyens est plus libre de faire ce qu’il veut : mais on entend la
liberté particulièrement de l’usage des choses qui ont coutume d’être en notre
pouvoir et surtout de l’usage libre de notre corps.
-وفي الوقت الذي يستنتج فيه ليبنتز أن السجن والمرض "ماسَّان بالحرية"، إذ يقيدان البدن ويمنعان الأعضاء من أداء
الحركة التي
نريد والتي نتمكن منها عادة، فإنهم جعلوا ذلك "المس
بالحرية" مجرد احتمال من الاحتمالات التي قد تنجم عن المرض أو
السجن، مستنتجين أن ذلك يُفقدنا التحكم في جسدنا كما نريد.
النقل الأصل
"لكن قد يحد كل من المرض والاعتقال في السجن من
حريتنا في التصرف في جسدنا، فلا نتحكم فيه كما نريد.
فالسجين والمشلول لا يكون حرا في
حركته، كما أن المشلول غير قادر على تحريك جسده." Ainsi la prison et les maladies, qui nous
empêchent de donner à notre corps et à nos membres le mouvement que nous
voulons et que nous pouvons leur donner ordinairement, dérogent à notre
liberté.
وهكذا، بينما كانت الحركة الحجاجية
للنص تسير في اتجاه مجرد بيان كيف أن الحرية، منظورا إليها
من زاوية الوقائع وطبائع الأمور، تُعاق بفعل المرض أو السجن، ممهدا بذلك
للحظة حجاجية لاحقة سوف يتأدى منها لاحقا إلى وضع سلم يجعل فيه الحرية درجات، لم يكلف المؤلفون أنفسهم عناء متابعة هاته الحركة، بل
وقفوا
عند خلاصة هي من البداهة إلى درجة الابتذال:
"فالسجين لا يكون حرا في حركته، كما أن المشلول غير
قادر على تحريك جسده"
ولا نرى أي "حمولة
إشكالية" يستطيع العامل بقسم الفلسفة والمتعلم أن يرصداها بغية بناء إشكالية الحرية. بل ولم يستفد المؤلفون أنفسهم ذلك، إذ ذيلوا النص بسؤالين لطرح الإشكال هما: لماذا يعتبر لفظ الحرية ملتبسا؟ وهل
الحرية
هي فعل ما نريد؟ وهما سؤالان نعتقد أنه كان بالإمكان
طرحهما دون تعريض النص لهذه "المجزرة التأويلية".
5. وفي نص حول مفهوم الواجب، تعرَّض تصور إيمانويل كانط
لمجزرة عشوائية حقيقية.
-ففي معرض تعريفه للواجب، فصل
كانط الفعل المستمد من احترام القانون عن الفعل المستمد من
الميولات، فسماه واجبا؛ ثم عرف الواجب بتضمنه لإلزام عملي، ليكون الوعي
بالالتزام بالقانون هو عين احترام القانون. لأجل ذلك، يُحدُّ الفعل المُنجَز
على هذه المقتضيات، بكونه واجبا يحمل في مفهومه طابع الإكراه.
غير أن مفتشينا الممتازين عبروا عن هذه الفكرة بعبارات
أشهد بعجزي عن فك لغزها، وأستجير بمن يستطيع ذلك أن يدلني على كيفية استخراج مضمونها، خصوصا وأني لم أنجز درس الواجب بعد.
النقل الأصل
وما الفعل، حسب هذا القانون-باستثناء
كل مبدأ تحديد مستخلَص من الميل- هو فعل، من الناحية
الموضوعية، عملي ويسمى واجبا. والواجب، بسبب إقصاء الميولات يتضمن في
مفهومه إكراها عمليا، أي تحديدا لبعض الأفعال مهما كان طابعها الإرادي ضعيفا. L’action qui, d’après cette loi, à l’exclusion de tout principe
de détermination tiré du penchant, est objectivement pratique, s’appelle devoir
et le devoir, en raison de cette exclusion, contient dans son concept une
contrainte pratique, c’est-à-dire une détermination à certaines actions, si peu
volontiers qu’on l’a prenne.
فلست أدري بأية "حيلة تأويلية" وبأي "لعب
لغوي" تمكن المترجمون من بلوغ هذا المعنى، وكيف استوثقوا من نقله في تلك
العبارة الملغزة.
هذه محاولة: لنقرأ الجملة دون الجملة الاعتراضية:
وما الفعل، حسب هذا القانون، هو فعل، من الناحية
الموضوعية، عملي ويسمى واجبا.
لنفترض أن أداة استثناء حُذِفت، بحيث تكون الجملة مثلا:
وما الفعل، حسب هذا القانون، إلا فعل، من الناحية
الموضوعية، عملي ويسمى واجبا.
فنحتاج إلى إسقاط الرابط، ونحصل على العبارة:
وما الفعل، حسب هذا القانون،-باستثناء كل مبدأ للتحديد
مستخلص من الميل- إلا فعل، من الناحية الموضوعية، عملي ويسمى واجبا.
ثم قد نعيد ما أسقطناه إلى مكان آخر: بحيث نقول مثلا:
"وما الفعل، حسب هذا القانون،-باستثناء كل مبدأ
للتحديد مستخلص من الميل- إلا فعل هو، من الناحية الموضوعية، عملي ويسمى
واجبا"..(؟)
باب المحاولة مفتوح
-وفي فقرة لاحقة، يشير كانط إلى
ما يقتضيه مفهوم الواجب، كمفهوم، حينما يتعلق الأمر بالفعل؛
فيفعل ذلك انطلاقا من تمييز بين مقتضى موضوعي متعلق بالفعل وبين مقتضى
ذاتي متعلق بمبدأ الفعل: الأول يتمثل في موافقة القانون، والثاني في
احترام القانون كنمط وحيد تتحدد به الإرادة من لدن القانون.
النقل الأصل
يطالب الواجب إذن، وبشكل موضوعي،
بفعل مطابق للقانون، لكن، وبشكل ذاتي، يطالب بمبدأ الفعل
واحترام هذا القانون باعتباره النمط الوحيد المحدد للإرادة.
Le concept du devoir réclame donc objectivement de l’action l’accord avec la
loi, et subjectivement de la maxime de l’action, le respect pour la loi comme
le mode de détermination unique de la volonté par la loi.
الأمر الذي يُفهَم منه أن الأمر يتعلق باقتضاءين مختلفين،
تدل على ذلك أداة الاستدراك: لكن. والأمر بخلاف ذلك تماما.
أليس هذا مخجلا؟ ألا يتعلق
الأمر بفضيحة موصوفة؟ كيف يتمكن العامل بالفصل والمتعلم من
الاشتغال على هذا النص؟ هل أجاب المؤلفون أنفسهم عن الأسئلة التي ذيلوا بها
النص؟
أستخرج عناصر تعريف الواجب.
أحلل علاقة مفهوم الواجب بمفهوم الميل.
أحلل البنية الحجاجية للنص، بتحليل آليتي التعريف
والتمييز.
تُرى أي مفهوم وجدوا للواجب؟
أجدد عجزي ليس فقط عن فهم ما أراده النص، بل عن مجرد
قراءته في الحدود الدنيا لكفاية القراءة: فك رموز الرسالة المكتوبة.
4. واقع خائب.. ومحرج
يتبين إذن أن كتاب "في رحاب
الفلسفة" قد اجتمع فيه كم من العيوب التي تجعله كتابا لا تتوفر
فيه الشروط الدنيا للكتاب الجيد. وإذا كانت الكتب غير المدرسية عند
من يقدِّر "حقيقة الكتاب" تُسحب من الأسواق إن ظهرت فيها بعد نشرها أخطاء مطبعية كثيرة تعوق قراءتها، أو تُلحَق بالنسخ الموجودة
ملحقات
بمظانها إن كانت قليلة؛ فالمستغرب أن الكتاب المدرسي، على
أهميته وخطورته، لم يكن موضع مراجعة، على أهمية وخطورة
الأخطاء التي يتضمنها، بل ولا من يتدخل، رسميا، للتنبيه
والإعلام والإصلاح.
تؤدي هذه المعاينة المباشرة، إذن، إلى تقرير
واقع مفاده أن هذا الكتاب لحقه من أوجه العيب والخطأ والسوء ما يجعله
يوصف بالفساد؛ بحيث إنه يُعسِّر العمل داخل الفصل حيث كان المنتظر
تيسيره، بل ويُفسِد الحال حيث كان المعوَّل عليه إصلاحه، إلى درجة يُمسَخ معها المعلم بهلوانا وهو يجهد نفسه لتجاوز مختلف أنواع الحرج،
التي قد يواجهها كل من عاين مضامين "الرحاب" وكل من عاناها؛ ومنها:
حرج أوَّل: إن كانت هذه الكتب
قد أُخضعت، فعلا، قبل المصادقة عليها، لضوابط ومعايير
ومقاييس تضمن مصداقيتها، فكيف تمخضت عملية تحرير الكتب المدرسية عن منتوج ظاهر الفساد، رغم أنه كان نتيجة لاجتماع جهود طائفة من خيرة
الأطر
العلمية والتربوية؟ (أربعة مفتشين ممتازين في حالة
"في رحاب الفلسفة"!!)
حرج ثان: إن كانت هذه
المنتوجات قد أُخضِعت، بعد المصادقة عليها، لعملية التتبع
والمراجعة لتدارك ما قد يكون قد "فلت" من أخطاء وعيوب ومساوئ، بغية تجنب الأضرار التي قد تسببها، سواء من قبل السلطات التربوية المعنية
أولا أومن قبل المؤلفين أنفسهم ثانيا، فلِم لم يتم تنبيه المستهلكين على مخاطرها؟
حرج ثالث: إن استهلك المعلم والمتعلم المنتوج الفاسد
فمرضا،
أفلا يكون مجهود الأول خائبا وأداء الثاني معيبا؟ وإن كشف
فساده فأصلحَه، ولا معيار يضمن مصداقية تدخله، أفلا يكون
مُفسِدا حيث أراد الإصلاح؛ وحتى إن كان تدخله ناجعا، ولا
شيء يضمن جدوى تدخله، ألن يكون ما عدَّه هو مصلحة، في نظر مصحح
أوراق الامتحان، عين المفسدة؟
ما العمل إذن؟
يتصادف هذا المقال مع إصدار
المجلس الأعلى للتعليم لتقرير-أراد لنفسه أن يكون تقويما
"علميا" -عن حالة التعليم، في سياق نقاش لا يزال بادئ الرأي والغوغائية طاغيين فيه حول واقع التعليم في هذا البلد، وحول سبل تجاوز اعتلاله وتفادي موته، مع ما يعنيه موت التعليم لحياة الشعوب.
لأجل ذلك، لا يضيرنا أن نُدرج هذه
الورقة ضمن الأهداف التي استهدف التقرير تحقيقها. ففي معرض الحديث عن
ملاءمة الكتب المدرسية والوسائط التعليمية، ينبه أصحاب التقرير على
أهمية الكتاب المدرسي ووضعه في سيرورة التعلم: "يمثل الكتاب المدرسي الدعامة التعليمية الرئيسية، وذلك بمساهمته بشكل كبير في
اكتساب
المعارف والخبرات"، ثم يكشفون عن الاختلال بعد تسجيل
بعض إيجابيات تحرير تأليف الكتاب المدرسي حينما يُعلمون بأن
"المحتويات مازالت تعرف محدودية على مستوى
الجودة اللازمة للانخراط، من جهة، في فلسفة مقاربة الكفايات التي تشجع على استعمال أساليب جديدة في التدريس والتعلم وترتكز على حل
المشكلات
وعلى الوضعيات المعقدة، ومن جهة أخرى للاستجابة لحاجيات
المتعلمين
والملاءمة مع المحيط الاقتصادي والسوسيو ثقافي".
لأجل ذلك، خلصوا إلى "أن وجود هذا النوع من
الاختلالات يستلزم تدخلا استعجاليا لوضع مسطرة لتقويم الكتب المدرسية
الموجودة حاليا وفقا لمعايير الجودة المحددة مسبقا من أجل التمكن من إدخال
إصلاحات وتحسينات على المحتويات."
فهل يتعلق الأمر بفتح نقاش جديد
-بعد النقاش السابق والنقاش الأسبق!- حول الكتب المدرسية؟ وتوسيع دائرة
المشاورات لتصير دائرة صغرى ضمن دائرة كبرى ضمن دوائر أكبر؟
أعتقد أن وضعية التربية والتكوين
بلغت درجة من البؤس لم يعد معها مجال لفتح نقاشات وتحريك
مشاورات بين الفاعلين والمتدخلين في الشأن التربوي، وإنما إلى تحريك
المساءلات في أفق تحريك متابعات. أجل "المتابعة" بكل المعاني التي قد تحتملها: تتبع العمل ومتابعة إنجازه على الوجه الأفضل،
المتابعة
التربوية والإدارية من أجل أن يتحمل كل ذي عمل مسئولية
عمله، بما في ذلك المسئولية القانونية من أجل حماية
المستهلك، وهم هنا العمال في الأقسام الدراسية
والتلاميذ ومن ورائهم الآباء، أي المواطنون في نهاية المطاف.